[﴿ولَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ومَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإنَّ اللَّهَ شَدِىدُ العِقَابِ﴾ ٣ - ٤]
يعني: أن الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم، فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت ﴿لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة.
﴿وَلَهُمْ﴾ سواء أجلوا أو قتلوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فانظروا إلى هذه المعجزة وصدق إنجاز الله ما وعدكم رسوله، وقيسوا عليه جميع ما وعدكم الله ورسوله.
قوله: (فلولا أنه كتب عليهم الجلاء)، وضع هذه "الفاء" بدل "الواو" في التلاوة ليؤذن بارتباط هذه الآية بما قبلها، فإن قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ﴾ إلى آخره، دل على أمر عظيم، وعلى عزمة من عزمات الله، وهي إرادة تطهير أرض الحجاز من الأجناس والأرجاس، وإراحة المؤمنين البتة، فلولا الجلاء لكان القتل لازمًا، فأخبر الله تعالى عن الأمرين وفوض الترتيب إلى الذهن.
قوله: (ودعاه) قيل: فاعله "أنه أشق"، والضمير المنصوب عائد إلى الله تعالى، أي: دعا الله تعالى إلى اختيار الجلاء لهم دون القتل أن الجلاء أشق عليهم.
وقلت: يجوز أن يكون فاعل "دعا" ما دل عليه "اقتضته الحكمة" لأنه عطف تفسيري، وقوله: "أنه أشق" تعليل، أي: دعاه داعي الحكمة إلى اختيار حكم الجلاء لأن ذلك أشق عليهم من الموت.