وقيل: من قبل هجرتهم، ﴿ولا يَجِدُونَ﴾: ولا يعلمون في أنفسهم ﴿حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا﴾ أي: طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره، والمحتاج إليه يسمى جاحة؛ يقال: خذ منه حاجتك، وأعطاه من ماله حاجته، يعني: أن نفوسهم لم تتبع ما أعطوا، ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه ﴿ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي: خلة، وأصلها: خصاص البيت، وهي فروجه؛ والجملة في موضع الحال، أي: مفروضة خصاصتهم وكان رسول الله ﷺ قسم أموال بني النضير على المهاجرين، ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين: أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دار الهجرة، وإليه المصنف بقوله: "وقيل: من قبل هجرتهم"، ولذلك لم يزالوا بعد الهجرة في قلة وفقر حتى آساهم الأنصار بأموالهم، وآثرهم بأثمارهم، على ما روينا عن البخاري ومسلم عن أنس قال: قدم المهاجرين من مكة المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسموهم حتى أن أعطوهم أنصاف أثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة.
وكافيك بحال أغنى المهاجرين وأكثرهم ثروة عبد الرحمن بن عوف حين قدم المدينة شاهدًا على ذلك، روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عوف قال: آخر رسول الله ﷺ بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: إني أكثر الأنصار مالًا، فأقاسمك مالي شرطين، ولي امرأتان فانظر أيتهما شئت حتى أنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، دلوني عن السوق. الحديث، ومن ثم حسن التعجب بالفقر في صدر هذه الآية.
قوله: (﴿خَصَاصَةٌ﴾ أي: خلة)، النهاية: الخصاصة: الجوع والضعف، وأصلها الفقر والحاجة إلى الشيء، والجملة في موضع الحال، يعني قوله: ﴿ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.


الصفحة التالية
Icon