[﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ﴾ ٢٠]
هذا تنبيه للناس وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم، وقلة فكرهم في العاقبة، وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات، كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار، والبون العظيم بين أصحابهما، وأن الفوز مع أصحاب الجنة؛ فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينهوا عليه، كما تقول لمن يعق أباه: هو أبوك، تجعله بمنزلة من لا يعرفه، فتنبهه بذلك على حق الأبوة الذي يقتضي البر والتعطف.
وقد استدل أصحاب الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر، وأن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا تنبيه للناس وإيذان) إلى آخره: (كأنهم لا يعرفون الفرق)، اعلم أن هذا التمثيل، أي: ﴿لا يَسْتَوِي﴾ كالتذييل لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ إلى آخره، وذلك أنه تعالى لما أمر المؤمنين بالتقوى التي هي قصارى كرامة الله، كما قال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣]، وبالنظر والتيقظ للعاقبة، والأخذ في العمل وما يسره الغد إذا لقيته، ثم نهاهم أن يكونوا من الغافلين الذين نسوا الله وتركوا الحذر، فأهملوا العمل للغد، فامتهنهم الله بالخذلان فأنساهم أنفسهم، حتى رأوا في العاقبة من الأهوال ما نسوا فيها أنفسهم، ذيل الكلام بقوله: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وأَصْحَابُ الجَنَّةِ﴾ مزيدًا للترغيب فيما يزلفهم إلى الله، ويدخلهم دار كرامته، ويجعلهم من أصحابها، والترهيب عما يبعدهم من الله، ويدخلهم دار الإهانة ويجعلهم من أصحابها، ومن ثم دق ولطف استدلال أصحابنا بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر وحسن كلام القاضي حيث قال: لا يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة، والذين استمهنوا نفوسهم فاستحقوا النار.


الصفحة التالية
Icon