خالصي العداوة، ولا يكونوا لكم أوليا، كما أنتم ﴿ويَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ﴾ بالقتال والشتم، وتمنوا لو ترتدون عن دينكم، فإذن موادة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم منكم ومغالطة لأنفسكم، ونحوه قوله تعالى: ﴿لَا يَالُونَكُمْ خَبَالًا﴾ [آل عمران: ١١٨].
فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعًا مثله ثم قال: ﴿ووَدُّوا﴾ بلفظ الماضي؟
قلت: الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإن فيه نكتةً، كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني: أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعًا: من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه قيل: رجل ثقف لقف، أي: حاذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير المثاقفة، ورمح مثقف: مقوم، يقال: ثفقت كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم قال: قد يتجوز فيستعمل في الإدراك، وإن لم يكن معه ثقافة، قال تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١].
قوله: (﴿لَا يَالُونَكُمْ خَبَالًا﴾، يقال: ألا في الأمر يألو، إذا قصر فيه، ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم: لا آلوك نصحًا، ولا آلوك جهدًا على التضمين، أي: لا أمنعك نصحًا ولا أنقصكه، فالمعنى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم شيئًا إلا فسادًا وشرًا، وهذا يقوي تقرير الجزاء المقدر على ما سيأتي في قوله: ﴿وَوَدُّوا﴾.
قوله: (الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع)، أي: لا فرق بين قولك: إن تكرمني أكرمك، وبين قولك: إن أكرمتني أكرمتك.
قوله: (كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم)، الراغب: الود: محبة الشيء مع تمنيه، ولما كان لهما استعمل في كل واحد منهما، فقيل: وددت فلانًا: إذا أحببته، ووددت الشيء: إذا تمنيته.