ثم كرر الحث على الائتساء بإبراهيم وقومه تقريرًا وتأكيدًا عليهم، ولذلك جاء به مصدرًا بالقسم؛ لأنه الغاية في التأكيد، وأبدل عن قوله: ﴿لَكُمْ﴾ قوله: ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ﴾ وعقبه بقوله: ﴿ومَن يَتَوَلَّ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ فلم يترك نوعًا من التأكيد إلا جاء به.
[﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً واللَّهُ قَدِيرٌ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ٧]
ولما نزلت هذه الآيات تشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين ومقاطعتهم، فلما رأى الله عز وجل منهم الجد والصبر على الوجه الشديد، وطول التمني للسبب الذي يبيح لهم الموالاة والمواصلة، رحمهم فوعدهم تيسير ما تمنوه، فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم، فأسلم قومهم وتم بينهم من التحاب والتصافي ما تم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم: رخال بضم الراء، ويجوز "براء" بفتح الباء، لأنهم يقولون: أنا البراء منك، ويقول الاثنان والثلاثة والمرأة: نحن البراء منك.
قوله: (ثم كرر الحث على الائتسام بإبراهيم عليه السلام وقومه تكريرًا وتأكيدًا)، ظاهره أن إرادة التكرير لمجرد التأكيد، وذهب الراغب إلى أن التكرير لإناطة معنى زائد حيث قال: إن الإسلام بني أوله على التبرؤ من الآلهة وعبادتها، ومن الأصنام وعبدتها، ألا ترى إلى قول من يشهد بالتوحيد أنه ينفي الآلهة أولًا بقوله: "لا إله" ويثبت ثانيًا بقوله: "إلا الله" الواحد، الذي يحق له العبادة، فقال في "الأسوة" الأولى المتعلقة بالبراءة من الكفار ومن فعلهم: ﴿إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾، وأنهم يعادونهم إلى أن يؤمنوا، فهذه الأسوة تفصل المؤمن من الكافر، ليتميز عنه في الظاهر، ويتبرأ من صداقته ويتحقق بعداوته.


الصفحة التالية
Icon