فإن قلت: فما فائدة قوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإيمَانِهِنَّ﴾ وذلك معلوم لا شبهة فيه؟
قلت: فائدته بيان أن لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج به الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن، فإن ذلك مما استأثر به علام الغيوب، وأن ما يؤدي إليه الامتحان من العلم كاف في ذلك، وأن تكليفكم لا يعدوه. ثم نفى عنهم الجناح في تزوج هؤلاء المهاجرات إا آتوهن أجورهن- أي مهورهن-، لأن المهر أجر البضع، ولا يخلو إما أن يراد بها ما كان يدفع إليهن، ليدفعنه إلى أزواجهن فيشترط في إباحة تزوجهن تقديم أدائه، وإما أن يراد أن ذلك إذا دفع إليهن على سبيل القرض، ثم تزوجن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: ما فائدة التغيير بين الجملتين من جعل المسند في الأولى صفة مشبهة، وفي الثانية مضارعًا.
قلت: أسند ﴿حِلٌّ﴾ وهو صفة مشبهة إلى ضمير ﴿المُؤْمِنَاتُ﴾ إعلامًا بأن هذا الحكم ثابت فيهن، لا يجوز فيه الإخلال والتغيير من جانبهن، وأسند ﴿يَحِلُّونَ﴾ وهو مضارع إلى ضمير ﴿الكُفَّارِ﴾ إيذانًا بأن هذا الحكم مستمر الامتناع في الأزمنة المستقبلة، لكن قابل للتغيير باستبدال الهدى بالضلال، ونظير هذا الاستمرار ما في قوله تعالى: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] فأنه فسر. بقوله: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٢٦]، ثم في كل من الجملتين حكم إعرابي وحكم شرعي؛ ففي الأولى حكم بنفي الحل على المؤمنات وحظر على الكافرين نكاح المؤمنات كما تقول: لا تحل لزيد أكل مال الغير غصبًا، وظهر منه أن الكفار مكلفون بهذا الحكم، وتقرير الجملة الثانية بالعكس من ذلك.
قوله: (ولا يخلو إما أن يراد بها)، وإنما نشأت الوجوه الثلاثة من تعليق رفع الجناح بإيتاء أجورهن، وتفسير الأجور؛ أي: لابد من تقدم إيتاء الأجور على عقد النكاح، فإذا فسرت


الصفحة التالية
Icon