﴿صَفًا﴾ صافين أنفسهم أو مصفوفين ﴿كَأَنَّهُم﴾ في تراصهم من غير فرجة ولا خلل ﴿بُنْيَانٌ﴾ رص بعضه إلى بعض ورصف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعلم أنه لما بولغ في بغض القول إبهامًا جيء بما يحب من الفعل تعريضًا، قوبل البغض بالحب، والقول بالفعل، ووصفه بالبنيان المرصوص، تعريضًا بالقول المتزلزل والوعد المخلف، وأما كيفية اتصاله به، فإن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يدل على أن ما يلي كلمة النداء والتنبيه من الخطاب معني به جدًا كما سبق في فاتحة البقرة.
والخطاب هو قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًا﴾، وقوله: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ تمهيد وتوطئة لهذا الخطاب، وتقدمة تنبيه على أن ما يخالفه مبغوض عند الله، والتقاعد عنه بعد الوعد من أشد البغض، وأكبر المقت عنده، ومما يشد من عضد ذلك أن قطب هذه السورة الكريمة يدور على أمر الجهاد، ألا ترى كيف أعيد قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ وختمت بقوله: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾، وفيه دليل ظاهر على علو شأن الجهاد ورفعة منزلته عند الله، لأنه ذروة سنام الأمر، وكفى به شاهدًا ما رويناه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لوددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل"، وكان أبو هريرة يقولهن ثلاثًا، أشهد بالله، أخرجه البخاري ومسلم.
قوله: (رص بعضه إلى بعض ورصف)، الراغب: كأنما بني بالرصاص، ويقال: رصصته ورصصته وتراصوا في الصلاة، أي: تضايقوا فيها. والرصفة بالتحريك واحد الرصف، وهو حجارة مرصوف بعضها إلى بعض، يقال: رصفت الحجارة في البناء أرصفها بالضم: إذا ضممت بعضها إلى بعض.