وقيل: يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وعن بعضهم: فيه دليل على فضل القتال راجلًا؛ لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. وقوله: ﴿صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ﴾ حالان متداخلتان.
[﴿وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ ٥]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات)، وعليه ورد قوله صلوات الله عليه: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" ثم شبك بين أصابعه، وأخرجه البخاري والإمام أحمد عن أبي موسى، وهذا أوجه ليقيموا الظاهر مع الباطن وسائر الأحوال، ويكون تعريضاُ بما وعدوا من الثبات في قتال الكفار، ويتصل به قصة موسى عليه السلام وقومه، ويترتب عليه قوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ ولهذا عم الأذى بقوله: "كانوا يؤذونه بأنواع الأذى" لإطلاقه.
قوله: (وقوله: ﴿صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ﴾ حالان متداخلتان)، الانتصاف: يريد أن معنى الأولى مشتمل على الثانية، فإن هيئة التراص هي هيئة الاصطفاف. قال صاحب "الإنصاف": ليس المراد بالتداخل هذا، بل إن الحال الثانية وقعت جزاء من الحال الأولى، لأن معنى ﴿صَفًا﴾: مصطفين، وفيه ضميره، وقوله: ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ﴾ حال من الضمير المذكور، فالحال الثانية داخلة في الأولى، وهي كقوله: ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٢ - ٣].
وقلت: فرق بين الصورتين، فإن قوله: ﴿صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ مشبه ومشبه به، والمشبه به في الحقيقة بيان للمشبه ووصف له؟


الصفحة التالية
Icon