قلت: معناه التوكيد كأنه قال: وتعلمون علمًا يقينا لا شبهة لكم فيه.
[﴿وإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ومُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَاتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ٦]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وستره، وكذا في قوله: ﴿ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ لأنه مقابل لقوله: ﴿ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، وليس دين الحق إلا التوحيد ونفي الشرك.
وفي الآيات نرق من وجهين:
أحدهما: من الأذى، فإن أذى موسى عليه السلام كان في جسده، وأذى عيسى عليه السلام في الدين، وأذى نبينا محمد صلوات الله عليه فيهما، فإن نور الله عبارة عنه وعن دينه، لقوله تعالى: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٦]، وقد سبق في التوبة تقرير وجه التشبيه.
وثانيهما: في التسلية، يعني: لا تبال بأذى القوم، ولك أسوة بموسى، ولا بتكذيب الكافرين والمشركين كما لو يضر عيسى تكذيبهم، وتمكن من إمضاء ما جاء به من الدين والبشارة بقدومك تمكنك منه، ويظهرك على الدين كله ولو كره المشركون والله أعلم.
قوله: (معناه التوكيد)، الانتصاف: "قد" إذا صحبت الماضي صحبها التوقع، قال الخليل: هذا خبر لقوم ينتظرونه، وإذا صحبت المضارع صحبها التكثير كربما، وهو من الكلام الذي قصد فيه الإفراط والمبالغة. قال:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله
فإن قيل: حمله على التكثير في الآية متعذر، لأن العلم معلوم التعلق، لا يتكثر ولا يتقلل.
قلنا: المراد تأكيد الفعل وتحققه وبلوغه الغاية في نوعه، وكذا في قوله: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ﴾ [الحجر: ٢] ليس معناها إلا تأكد ذلك الودادة لا كثرته وتعدده.


الصفحة التالية
Icon