وعن ابن عباس أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناها، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلهم عليها بقوله: ﴿تُؤْمِنُونَ﴾ وهذا دليل على أن ﴿تُؤْمِنُونَ﴾ كلام مستأنف، وعلى أن الأمر الوارد على النفوس بعد تشوف وتطلع منها إليه: أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به.
﴿ذَلِكُمْ﴾ يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من أموالكم وأنفسكم.
فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟
قلت: معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرًا لكم حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم، فتخلصون وتفلحون ﴿وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم، ثم فسرها بقوله: ﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ أي: عاجل، وهو فتح مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي مضمرة، ولهذا الفعل كان مجزومًا فحذف لكثرة الاستعمال، تبالًا: أي سوء عاقبة، والتبال: عداوة يطلب بها، يقال: تبلني فلان وتبلهم الدهر. قال كعب:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
أي: مصاب بتبل، وهو الذحل والعداوة.
قوله: (معناه: إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرًا لكم)، الانتصاف: أجرى الشرط على حقيقته، وليس بالظاهر؛ لأن علمهم بذلك محقق، فإنهم مؤمنون، ولعله مثل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] كما تقول لمن ينتصر من عدوه: إن كنت حرًا فانتصر.


الصفحة التالية
Icon