وقال الحسن: فتح فارس والروم. وفي ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ شيء من التوبيخ على محبة العاجل.
فإن قلت: علام عطف قوله ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: يريد أنه من باب المبالغة والتتميم، وعليه ظاهر كلام القاضي: إن كنتم من أهل العلم، إذا الجاهل لا يعتد بفعله. وليس بذاك، لأن شرط ذلك الأسلوب أن يكون الشرط ثابتًا في نفسه أو عند المتكلم والمخاطب، لم يتعوج عن السداد، ولم يتحر سوى الصواب، كما مر في سورة الممتحنة، وهاهنا الكلام على ما سبق في فاتحة السورة مع أولئك المؤمنين الذين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه، ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، يشهد له نقله عن ابن عباس في هذا المقام قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناها فنزلت، فلما دلهم الله تعالى في يوم أحد على المجاهدة في سبيل الله تولوا، وحين لم يعلموا بموجب العلم قيل لهم: ﴿إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وإليه الإشارة بقوله: "إذا علمتم ذلك واعتقدتموه، أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم"، وفي التعقيب بقوله: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ والتوبيخ إيماء إلى هذا.
قوله: (شيء من التوبيخ على محبة العاجل)، وذلك أنه تعالى عطف"أخرى" من حيث المعنى على النعمة المذكورة من المغفرة والثواب، وقيدها بقوله: ﴿تُحِبُّونَهَا﴾، وفيه إشارة إلى هذا المعنى، لأن الفتح والنصرة وإن كانا من الأمور الدينية، لكن فيهما حظ النفس؛ لأنهما بظاهر هما مما تشتهيه النفس، ويجوز أن يكون عطفًا على ﴿تِجَارَةٍ﴾؛ أي: أبشركم بتجارة أخرى عاجلة، بعد البشارة الآجلة.


الصفحة التالية
Icon