ثم قال: ﴿ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾ بسبب ما قدموا من الكفر، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه"، فلولا أنهم كانوا موقنين بصدق رسول الله ﷺ لتمنوا، ولكنهم علموا أنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم ولحقهم الوعيد، فما تمالك أحد منهم أن يتمنى؛ وهي إحدى المعجزات. وقرئ: (فتمنوا الموت) بكسر الواو، تشبيهًا ب"لو استطعنا". ولا فرق بين"لا" و"لن" في أن كل واحدة منهما نفي للمستقبل، إلا أن في"لن" تأكيدًا وتشديدًا ليس في "لا" فأتى مرةً بلفظ التأكيد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: لم لم يضف"أولياء" لله كما أضاف في قوله: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢].
قلت: ليؤذن بالفرق بين من يدعي أنه من أولياء الله، وبين من يخصه الله بالولاية، ونحوه في الإضافة قوله: ﴿مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ﴾ قال: "معنى ﴿مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ﴾ [الصف: ١٤]، أي: من الأنصار الذين يختصون بي؟ ويكونون معي في نصرة الله؟ ومعنى ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾: نحن الذين ينصرون الله"، وسبق أن الإضافة الأولى محضة، والثانية غير محضة، ، وذكرنا فائدة الاختلاف.
قوله: (لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه)، روى الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عباس: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار.
قوله: (وقرئ: "فتمنوا الموت")، بكسر الواو، قال ابن جني: قرأها ابن يعمر وابن أبي إسحاق.
قوله: ((فأتى مرةً بلفظ التأكيد)، الراغب: إن قوله: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ * ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾ الآية لما كان مفتتحًا بشرط علقت صحته بتمني الموت ووقع