وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم، وينصبون إلى المصر من كل أوب، ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص والأسواق بهم إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة، وحينئذ تحر التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد، قيل لهم: بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح، ﴿وذَرُوا البَيْعَ﴾ الذي نفعه يسير وربحه مقارب.
فإن قلت: فإذا كان البيع في هذا الوقت مأمورًا بتركه محرمًا، فهل هو فاسد؟
قلت: عامة العلماء على أن ذلك لا يوجب فساد البيع. قالوا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت"، ولفظ الترمذي: "من قال يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغا".
قوله: (انتفخ النهار)، الأساس: ومن المجاز، انتفخ النهار: علا.
قوله: (تحر التجارة)، في نسخة: "تحر" بفتح التاء والحاء المهملة، وفي أخرى: بكسر الحاء، وهو شدة إقامة السوق؛ من الحرارة، في حديث علي لفاطمة رضي الله عنها: لو أتيت النبي ﷺ فسألته خادمًا يقيك حر ما كنت فيه من العمل. يعني: التعب والمشقة من خدمة البيت، لأن الحرارة مقرونة بهما، كما أن البرودة مقرونة بالراحة والسكون.
قوله: (وربحه مقارب)، الجوهري: قاربته في البيع مقاربةً، وشيء مقارب بكسر الراء، أي: وسطًا بين الجيد والرديء، وكذلك إذا كان رخيصًا.