ويجوز أن يكون وصفا للمنافقين في استجنانهم بالأيمان.
وقرأ الحسن البصري: (إيمانهم)، أي: ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم. ويعضده قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾.
﴿سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وفي ﴿سَاءَ﴾ معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى قوله: ﴿سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا بسبب أنهم ﴿آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان، أي: ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ فجسروا على كل عظيمة.
فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله: ﴿آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾؟
قلت: فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها: ﴿آمَنُوا﴾، أي: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ ثم ظهر كفرهم بعد ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يكون وصفًا للمنافقين في استجنانهم بالأيمان) أي: يقال: استجن بجنة أي: استتر بسترة: والسترة: ما ستر به الصائد وغيره، إظهارًا كانوا عليه من الخبث والخديعة، وما تمرنوا به واعتادوا عليه، فعلى هذا تكون هذه الآية مستطردة تعدادًا لقبائحهم، وعلى الأول: ﴿أَيْمَانَهُمْ﴾ موضوع موضع المضمر، أي: اتخذوا شهادتهم تلك سترة ستروا بها عما خافوا على أنفسهم، وفيه إشعار بأن وكادتهم لتلك الشهادة بلغت مبلغ الحلف والأيمان، فإذن لا يسمى كل شهادة يمينًا.