عنى بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لقومه: ماذا فعلتم بأنفسكم؟ أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم؛ أما والله لو أمسكتم عن جعال وذوبه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد. فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث، فقال: أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك، ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين، فقال عبد الله اسكت فإنما كنت العب؛ فأخبر زيد رسول الله فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله، فقال: " إذن ترعد آنف كثيرة بيثرب". قال: فإن كرهت أن يقتله مهاجري، فأمر به أنصاريا فقال: " فكيف إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟ " وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله: " أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟ "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أراني وعوفًا كالمسن كلبه.... فخدشه أنيابه وأظافره
قوله: (ترعد آنف) بالمد، قيل: هو جمع آنف، قيل: هو عبارة عن الاضطراب والخوف، أو عن الغضب والارتعاد، يقال: أرعده فارتعد، والاسم: الرعدة، وأرعد الرجل: أخذته الرعدة، وأرعدت فرائصه عند الفزع.
الأساس: ومن المجاز: هو أنف من قومه، وهم آنف الناس، فعلى هذا الأنسب أن يكون كنايةً عن غضب الرؤساء، أي: يغضب علينا ويتعصب أهل يثرب وما حولها، وتقع فتنةً عظيمة، يدل على هذا قوله: "فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريًا، وأما حديث عبد الله ابن أبي وقوله: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ فقده رواه البخاري ومسلم والترمذي عن زيد ابن أرقم، على غير هذا الوجه الذي رواه المصنف، وذكره يطول.