قال: والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئًا من ذلك، وإن زيدًا لكاذب- وهو قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢]_ فقال الحاضرون: يا رسول الله، شيخنا وكبيرنا، لا تصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وهم. وروي أن رسول الله قال له: لعلك غضبت عليه؛ قال: لا؛ قال: فلعله أخطأ سمعك؛ قال: لا؛ قال: فلعله شبه عليك؛ قال: لا. فلما نزلت لحق رسول الله زيدًا من خلفه فعرك أذنه وقال: " وفت أذنك يا غلام، إن الله قد صدقك وكذب المنافقين". ولما أراد عبد الله أن يدخل المدينة اعترضه ابنه حباب_ وهو عبد الله بن عبد الله غير رسول الله اسمه، وقال: " إن حبابًا اسم شيطان". وكان مخلطًا_ وقال: وراءك، والله لا تدخلها حتى تقول: رسول الله الأعز وأنا الأذل، فلم يزل حبيسًا في يده حتى أمره رسول الله بتخليته.
وروي أنه قال له: لئن لم تقر لله ورسوله بالعز لأضربن عنقك، فقال: ويحك، أفاعل أنت؟ قال: نعم، فلما رأى منه الجد قال: أشهد أن العة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقال رسول الله لابنه: " جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرًا"؛ فلما بان كذب عبد الله قيل له: قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله ﷺ يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمر تموني أن أومن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفت أذنك يا غلام)، النهاية: كأنه جعل أذنه في السماع كالضامنة بتصديق ما حل فيها، فلما نزل القرآن في تحقيق ذلك الخبر، صارت الأذن كأنها وافية بضمانها، خارجة من التهمة فيما أدته في السماع إلى اللسان.
قوله: (وراءك) أي: ارجع القهقرى، قال الميداني: وفي المثل: وراءك أوسع لك، أي: تأخر تجد مكانًا أوسع لك، ويقال في ضده: أمامك، أي: تقدم.


الصفحة التالية
Icon