يعني: فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له، كقوله تعالى: :﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٦] والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي عالم بكفر كم وإيمانكم اللذين هما من عملكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجز أن يثنى على الله بفعلهم، فلا يختص الحمد بالله. وهذا كما ترى كالشجى لا يسيغ، ولا يسوغ التكلم في الاختصاص إلا لمن يقول: الحمد لما كان هو الوصف بالجميل، والله خالق كل جمال وكمال، وخالق كل من له الجمال والكمال، وخالق كل ما يستحق الحمد من الأفعال، فله الحمد في الحقيقة، وإن أضيف في الظاهر إلى الغير، وحينئذ تتطابق القرينتان، لا إلى أنهما اسمان، فكما حاز قوله: "له الملك"، أنواع الملك، جمع"له الحمد" أجناس الحمد، ولله الحمد على التوقيف، وله المنة على التوفيق.
قوله: (فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له) نظرًا إلى اشتقاق اللفظين، لا إلى أنهما اسمان لهذين الفريقين، وجعلهما خارجين من معنى قوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾، يعني أن الله تعالى خلق ذواتهم، وهم الذين أحدثوا الإيمان والكفر، واستدل على مذهبه بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٦]، فإن كونهم فاسقين ليس الغرض في جعل الكتاب فيهم، كذلك كونهم كافرين ليس المراد في خلقهم، وبقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فإنه تهديد ووعيد على أعمالهم.
فالحاصل: أنه جعل الفاء في ﴿فَمِنكُمْ﴾ وفي ﴿فَمِنْهُمْ﴾ للترتيب، والغرض على سبيل الاستعارة، كالكلام في قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]، يدل عليه قوله: "والمعنى هو الذي تفضل عليكم.. " إلى آخره، والذي يدل على أنه


الصفحة التالية
Icon