..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرج ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ من مفهوم قوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾، قوله بعد ذلك: "فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته".
والقاضي جعل ما بعد الفاء تفصيلًا لقوله ﴿خَلَقَكُمْ﴾ حيث قال: ﴿هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ﴾، ثم شرع في البيان وقال: ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ﴾، أي: مقدر كفره، ﴿وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ مقدر إيمانه.
وقلت: مثله في الإجمال والتفصيل: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ [النور: ٤٥] خلقهم وقدرهم على المشي، وما به يقدرون عليه، ثم أسند المشي إليهم، والتفصيل إنما يبين ما أجمل في المفصل في المعنى، فعلم أن كونهم كافرين ومؤمنين مراد في قوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ وعليه السياق، فإن الآيات كلها واردة لبيان عظمة الله في ملكه وملكوته واستبداده فيهما، وفي شمول علمه المعلومات كلها، وفي إنشائه المكونات ذواتها وأعرضها، ولأن قوله: ﴿خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ بيان لقوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
ويعضد هذا التأويل الأحاديث الكثيرة منها؛ ما روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكًا بأربع كلمات؛ يكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أم سعيد، فو الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".


الصفحة التالية
Icon