فإن قلت: نعم، إن العباد هم الفاعلون للكفر، ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر، ولم يختاروا غيره، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلا واحد؟ وهل مثله إلا مثل من وهب سيفًا باترًا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرمة فقتل به مؤمنًا؟ أما يطبق العقلاء على ذم الواهب وتعنيفه، والدق في فروته كما يذمون القاتل؟ بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشد؟
قلت: قد علمنا أن الله حكيم عالم بقبح القبيح، عالم بغناه عنه، فقد علمنا أن أفعاله كلها حسنة، وخلق فاعل القبيح فعله، فوجب أن يكون حسنًا، وأن يكون له وجه حسن؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (نعم، إن العباد هم الفاعلون) إيجاب لقوله: "فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكر آت بالإيمان وفاعل له" إلى آخره، وتقرير له بعد الدلائل، كأنه قيل: ظهر أن العباد هم الفاعلون.
قوله: (والدق في فروته)، الأساس: لأسلخن فروة رأسك، وضربه على أم فروته وهي هامته، فهي عبارة عن الوقوع فيه وتمزيق عرضه.
قوله: (قد علمنا أن الله حكيم عالم) إلى آخره، الانتصاف: اقتحم الزمخشري وعر المسالك، وهو فيها هالك، فتحدق وتشدق، وتفقه فتفيهق، هب أنه نسي أن الله خالق كل شيء، وغفل عن الأدلة العقلية، أليس قد اعترف أن خلق فاعل القبيح كخلق القبيح؟ ! زعمًا منه أن ما قبح شاهدًا، قبح غائبًا، كما علل بأنه يجوز أن يكون فيها حكمة استأثر الله بها، فما الذي يمنعه أن يقول: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وفي ذلك حكمة استأثر الله بها؟ ! ولا فرق إلا التحكم واتباع الهوى.


الصفحة التالية
Icon