كما ترى في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق، ولا تشكر نعمته فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته، والخلق أعم نعمة من الله على عباده، والكفر أعظم كفران من العباد لربهم.
[﴿أَلَمْ يَاتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّاتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ٥ - ٦]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن لها كل كمال وجمال، ومنه كل نعمة وإفضال، وهو خالق كل مهتد وضال، ونظم دليل الآفاق مع دليل الأنفس، وبين أن إليه المصير والمآل، ختمها بإثبات العلم الشامل للكليات والجزئيات وكرره تكريرًا وأكده توكيدًا، وكان ذكر العلم في قوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ استطرادًا لذكر الخلق وتفصيله، ولإثبات القضاء والقدر، ولما فرغ من ذكر بيان العظمة جاء بالتهديد والوعيد، وقال: ﴿أَلَمْ يَاتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية، والله أعلم.
قوله: (فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق) أي: يقول: ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ دخلان تحت قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ ومن جملته كما سبق، ونقول: هذا قول من يجهل القدر، ولا يؤمن بالنصوص القاطعة والبراهين الساطعة، والفرق بين الخلق والكسب، ولو لم يكن لمزج الكفر بالخلق مدخل واعتبار، وكان تهديدًا صرفًا كما ذكر، لم يكن لذكر ﴿وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ فائدة في المتن، لأنه- على ما قال- وعيد على تعكيس أمرهم، حيث وضعوا الكفران موضع الشكر، نحو قوله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] وهو المعني بقوله: وكل ما ذكره في الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق، ولا يشكر نعمته، وليس كذلك؛ لأن قوله ﴿وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ يأباه.