..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فما زال يقرؤها ويعيدها" ولما ذكرنا أن أمور النساء من جلائل الخطب وعظائم الشؤون كرر الأمر بالتقوى في هذه السورة الكريمة في عدة مواضع وختمها بوعيد شديد، وتهديد عظيم، حيث قال: ﴿وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ﴾ ثم قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ مقررًا لذلك المعنى، وعقبه بقوله: ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً﴾ إلى آخره، امتنانًا لمزيد التوصية.
ذكر الراغب في"غرة التنزيل": إنما اقترن بالطلاق والعدة هذا الوعظ، لأن الطلاق رفض حال متمهدة، وقطع آمال متأكدة، والعدة باستيفائها يخلص النسب ويصح للزوج الثاني الولد، ولو لم يكن هذا الح الذي حده الله تعالى لكان الفساد يتصل إلى انقضاء الدنيا، فهو أحق الأشياء بالمراعاة، وتأكيد المقال فيه والوصاية. وذكر بعد الطلاق: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ أي: من تمسك بتقوى الله فيما يحل ويعقد ويصدر ويورد، فإن الله يلقيه في شدته فرجًا، ويجعل له ممًا يكرهه مخرجًا، ويتيح له محبوبه من حيث لا يقدر، ويوجه له رزقه من حيث لا يحتسب، وفي ضمنه أنه إذا طلق لكراهة أحد القرينين لصاحبه، وقارن ذلك تقوى الله، فإن الله سبحانه يسبب له القرنية الصالحة، ولها القرين الصالح، ويرزق أحدهما على يد الآخر من حيث لا يبلغه تقديره ولا يدركه حسبانه، وهذا وعد منه مخافته، فيخرجهم من الغم إلى السرور، ومن الفزع إلى الأمن، ويعدلهم من كرامته ونعمته ما يكتفون به، ولا يحتاجون معه إلى غيره. ويكون قوله ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ مرادًا به أنه يكل أمره إلى الله فيتبعه راضيًا بما يصرفه فيه، كالدابة التي تسير بسير غيرها منقادةً لحكمه وسيره، فإذا كان المتوكل على الله بهذه الصفة فالله حسبه حافظًا له ممن يحاول ظلمه، ومنتقمًا منه إن رأى ذلك أنفع له، وهو مراده في الوقت الذي قدره، وإذا كان قد جعل لكل شيء حينًا يقع عنده، لا يتعجل قلبه، ولا يتباطأ بعده.


الصفحة التالية
Icon