﴿غِلاظٌ شِدادٌ﴾ في أجرامهم غلظة وشدة، أي: جفاء وقوة. أو في أفعالهم جفاء وخشونة، لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له والانتقام من أعدائه.
﴿مَا أَمَرَهُمْ﴾ في محل النصب على البدل، أي: لا يعصون ما أمر الله. أي أمره، كقوله تعالى: ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٣] أولا يعصونه فيما أمرهم.
فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟
قلت: لا، فإن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها، ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.
فإن قلت: قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى:
﴿فَإن َّلَمْ تَفْعَلُوا ولَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة: ٢٤] وقال ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤] فجعلها معدة للكافرين، فما معنى مخاطبته به المؤمنين؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أليست الجملتان في معنى واحد)، يعني قوله: ﴿لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ معناه لا يتركون فعل المأمور به، ومفهومه: أنهم يفعلون ما يؤمرون به.
وأجاب: بأن الأولى لبيان موافقة الأمر في الباطن واعتقاد حقيقة الأمر والاعتراف به والثانية لبيان موافقة الأمر في الظاهر، لأن الموافقة الإتيان بالمأمور به، فإن موافقة الشيء ما يوجب ثبوت مقتضاه، ويمكن أن يقال: إنه من باب الطرد والعكس، وهو كل كلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، مبالغةً في أنهم لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له.
روي عن المصنف أنه قال: نظير الآية قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ الَّليلَ والنَّهَارَ لا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠] نفى المعاندة عن الملائكة والاستكبار بقوله: ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] وأثبت لهم الكياسة، ونفى عنهم الكسل بقوله: ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] كقوله تعالى: ﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾.