قلت: الفساق- وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار- فإنهم مساكنون الكفار في دار واحدة، فقيل للذين آمنوا: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ﴾ باجتناب الفسوق مساكنة الكفار الذين أعدت لهم هذه النار الموصوفة.
ويجوز أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد والندم على الدخول في الإسلام، وأن يكون خطابها للذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون، ويعضد ذلك قوله تعالى على إثره: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار: لا تعتذروا، لأنه لا عذر لكم، أو لأنه لا ينفكم الاعتذار.
[﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغْفِرْ لَنَا إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ٨].
﴿تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي؛ والنصح: طريقة التائبين؛ وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم، فيأتوا بها على طريقها متداركة للفرطات ماحية للسيئات، وذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الفساق- وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار- فإنهم مساكنون الكفار في دار واحدة)، الانتصاف: جوابه بناء على اعتقاده في خلود الفساق، أورد السؤال ليتنفس عن ما في نفسه من هذا الباطل الذي لا يطيق كتمانه، ولا يمتنع أن يحذر المؤمن من عذاب الكافر تثبيتًا له على الإيمان كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١].
قوله: (والنصح: صفة التائبين)، الراغب: النصح: تحري فعل أو قول فيه صلاح، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١]، وهو من قولهم: نصحت له الود.