وعن الحسن: الله متممة لهم ولكنهم يدعون تقربا إلى الله، كقوله تعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [غافر: ٥٥] وهو مغفور له. وقيل: يقول أدناهم منزلة؛ لأنهم يعطون من النور قدر ما يبصرون به مواطئ أقدامهم؛ لأن النور على قدر الأعمال، فيسألون إتمامه تفضلا. وقيل السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم حبوا وزحفا، فأولئك الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾.
فإن قلت: كيف يشفقون والمؤمنون آمنون ﴿أَم مَّن يَاتِي آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ﴾ [فصلت: ٤٠]، ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [يونس: ٦٢]، ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٣]؟
أو كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيها: يطلبون الدوام لا خوفًا بل تقربًا.
وثالثها: يطلبون المزيد لنقصان نورهم من نور غيرهم.
ورابعها: ذلك النور الذي يسعى بين أيديهم هو نور السابقين، وهم يطلبون ابتداءً إتمام النور، أي: هب لنا نورنا وأتممه لنا، والسؤال الآتي متوجه إلى الوجهين الأولين.
قوله: (كيف يشفقون)، هذا الإيراد على قول ابن عباس: يقولون ذلك إشفاقًا، وقوله: أو كيف يتقربون؟ هذا على قول الحسن: ولكنهم يدعون تقربًا إلى الله تعالى.
قوله: (وليست الدار دار تقرب)، أي: الدار الآخرة ليست دار التكليف، فمن لم يتقرب في الدنيا إلى الله تعالى، لا يتقرب إليه في الآخرة، وجاء في الحديث ما يخالفه، روينا عن الإمام أحمد بن حنبل والترمذي وأبي داود عن عيد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها". وروى ابن ماجه عن أبي سعيد نحوه.


الصفحة التالية
Icon