ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر؛ لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد، وإن كان المؤمن الذي كان يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج إغناء ما من عذاب الله ﴿وقِيلَ﴾ لهما عند موتهما أو يوم القيامة: [ادْخُلا النَّارَ مَعَ} سائر ﴿الدَّاخِلِينَ﴾ الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء، أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط.
ومثل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله، بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله تعالى، مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين، مع أن قومها كانوا كفارا.
وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة وما فرط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الناطق بالكلمة العظمى)، وهي: ﴿أنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، و ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨].
قوله: (وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة)، إشارة إلى النظم، وأنه تعالى بعدما حكى عن أمي المؤمنين ما فعلتا مما حصلت منه الكراهة لحضرة الرسالة من التظاهر عليه، وعم التوبيخ بقوله: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ وهما المرادتان أوليًا، وذكر أوصاف المبدلات تقريعًا، ثم وعظ المؤمنين تلويحًا، وحرضهم على التوبة ورغبهم فيها، ثم أمر رسوله بالغلظة مع المعاندين من الكافرين والمنافقين تحريضًا، أتى بهذين التمثيلين تذييلًا لذكر المؤمنين والكافرين، وتتميمًا للتعريض بأمي المؤمنين، ومن تأمل في هذه التشديدات لاح له منزلة حبيب الله عند الله، وحقق معنى قول أم المؤمنين