فإن قلت: ما كانت خيانتهما؟
قلت: نفاقهما وإبطانهما الكفر، وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه، ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنه سمج في الطباع، نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر؛ فإن الكفار لا يستسمجونه بل يستحسنونه ويسمونه حقا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بغت امرأة نبي قط.
[﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ونَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ١١].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادة الله جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين المكرمين، ولا سيما وقد أضيف إلى ضمير التعظيم، وأما فائدته هنا فتربية معنى التعريض في التمثيل، كأنه قيل: إن امرأة نوح وامرأة لوط ما نفعهما شيء من صحبة هذين النبيين المكرمين الداخلين في زمرة العباد المخلصين. ويدل على إرادة المدح تكرير قوله: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٨١، ١١١، ١٢٢، ١٣٢] في الصافات عند ذكر نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس عليهم السلام في خاتمة قصصهم.
الراغب: تخصيص إضافة العبد إل الله تنبيه على مدحه في كونه مطيعًا له منصرفًا عن أمره، وأنه غير معرج على غيره ثم إضافته بنون المملوكية، مبالغة في الاختصاص، وفي كل إضافة إلى الله بهذا الوجه مبالغة.
قوله: (ما كانت خيانتهما؟ )، "ما" استفهاميةً، وضمير "كانت" يعود إليها، و"خيانتهما" خبره، والتأنيث باعتبار الخبر، كما في: "من كانت أمك؟ ".
قوله: (بخلاف الكفر، فإن الكفار لا يستسمجونه) فيه إيماء إلى أن العقل لا يصلح أن يحكم في أمور الديانة.