ألا ترى أنه لا فضل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به، ولو كان تعليقا لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك: علمت أزيد منطلق، وعلمت زيدا منطلقا. ﴿أَحْسَنُ عَمَلًا﴾: قيل: أخلصه وأصوبه؛ لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل، وكذلك إذا كان صوابا غير خالص؛ فالخالص: أن يكون لوجه الله تعالى؛ والصواب: أن يكون على السنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قوله: "لا تقع الجملة الاستفهامية مفعولًا ثانيًا" فضعيف، لأنها إذا وقعت مفعولًا أول في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٦٩]، أي: لننزعن الذين يقال في حقهم: أيهم أشد، كما هو مذهب الخليل، كيف يمتنع وقوعها مفعولًا ثانيًا بالتأول، أي: ليعلمكم الذين يقال في حقهم: أيهم أحسن عملًا. وقد أنصف صاحب "الانتصاف" حيث قال: "التعليق عن أحد المفعولين فيه خلاف، والأصح هو الذي اختاره الزمخشري، وهذا النحو عشه فيه يدرج، ويدري كيف يدخل ويخرج".
قوله: (أخلصه وأصوبه)، الراغب: "الخالص كالصافي، إلا أن الخالص هو ما زال عنه شربه بعد أن كان فيه، وحقيقة الإخلاص التعري عن كل ما دون الله، والتبري عما سوى الله". والصواب ضد الخطأ والعدول عن الطريق المستقيم، ولصعوبته ورد في الحديث: "استقيموا ولن تحصوا".