مثل ذلك الخلق المتناسب، والخطاب في ﴿مَّا تَرَى﴾ للرسول أو لكل مخاطب. وقوله تعالى: ﴿فَارْجِعِ البَصَرَ﴾ متعلق به على معنى التسبيب؛ أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهن، ثم قال: ﴿فَارْجِعِ البَصَرَ﴾ حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة، ولا تبقى معك شبهة فيه. ﴿هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾ من صدوع وشقوق، جمع فطر وهو الشق، يقال: فطره فانفطر، ومنه: فطر ناب البعير، كما يقال: شق وبزل، ومعناه: شق اللحم فطلع. وأمر بتكرير البصر فيهن متصفحا ومتتبعا يلتمس عيبا وخللا ﴿يَنقَلِبْ إلَيْكَ﴾ أي: إن رجعت البصر وكررت النظر، لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب، بل يرجع ذلك بالخسوء والحسور، أي: بالبعد عن إصابة الملتمس، كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة، وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿الرَّحْمَنَ﴾ موضع الضمير، إشعار بأن لا يكون في خلقه السموات من نقصان ولا تفاوت، ثم لا يخلو من إشارة على لفظة (الله) في هذا المقام من نكتة، وهي أن خلق هذه الأجرام العظام نعمة جليلة توجب الحمد على نظرها، لأنها مسارح أنظار المتفكرين، ومهابط أنوار رب العالمين.
قوله: (﴿مِن فُطُورٍ﴾: من صدوع)، الراغب: "أصل الفطر الشق طولًا، يقال: فطر فلان كذا فطرًا، وأفطر هو فطورًا، وانفطر انفطارًا، قال تعالى: ﴿هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾ أي: اختلال ووهي فيه، ومنه الفطرة، وفطر الله الخلق، وهو إيجاد وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال؛ فقوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠]، إشارة منه إلى ما أبدع وركز في الناس من معرفته المشار إليه بقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ﴾ [الزخرف: ٩]. والفطر: ترك الصوم".
قوله: (إن رجعت البصر وكررت النظر، لم يرجع إليك البصر بما التمسته من رؤية الخلل


الصفحة التالية
Icon