وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده.
فإن قلت: ﴿إنْ أَنتُمْ إلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ من المخاطبون به؟
قلت: هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين، على أن النذير بمعنى الإنذار، والمعنى: ألم يأتكم أهل نذير، أو وصف منذروهم لغلوهم في الإنذار، كأنهم ليسوا إلا إنذارا؛ وكذلك ﴿قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾، ونظيره قوله تعالى: ﴿إنَّا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦]، أي: حاملا رسالته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنه ما كان لهم سمع ولا عقل، ولا شك أنهم كانوا ذوي أسماع وعقول صحيحة، فالمراد أنه ما كان لهم سمع الهداية ولا عقل الهداية".
قوله: (واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به) فيه إشارتان إلى مذهبه: إحداهما: في إيقاع"خلاف" مفعول "واختيارهم" إشارة إلى أن اختيارهم وإرادتهم غلب اختيار الله وإرادته. وثانيها: في عطف "وأمر به وأوعد" على" ما اختار الله" على سبيل البيان، إشعار بأن الإرادة والأمر متحدان.
قوله: (على أن النذير بمعنى الإنذار)، يعني: إنما يستقيم هذا أن يكون من جملة قول الكفار، والمخاطبون الرسل، إذا جعل ﴿نَذِيرٌ﴾ في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَاتِكُمْ نَذِيرٌ﴾، وقوله: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾ بمعنى الإنذار؛ إما بتقدير مضاف، أي: أهل نذير، أو مبالغة في أن الرسل عين الإنذار، لأن الخطاب بقوله: ﴿أَنتُمْ﴾ للجماعة. وأما إذا كان من كلام الخزنة للكفار، أو من كلام الرسل لهم، فلم نحتج إلى هذا التأويل، ويكون الوقف على قوله: ﴿مِن شَيءٍ﴾ حسنًا، وقوله: ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ استئناف على تقدير القول.
قوله: (﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾)، الجوهري: "ولم يقل: "رسل"، لأن فعولًا وفعيلًا يستوي فيهما المذكر والمؤنث، والواحد والجمع".


الصفحة التالية
Icon