كان كفار مكة يدعون على رسول الله ﷺ وعلى المؤمنين بالهلاك، فأمر بأن يقول لهم: نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين: إما أن نهلك كما تتمنون فننقلب إلى الجنة، أو نرحم بالنصرة والإدالة للإسلام كما نرجو، فأنتم ما تصنعون؟ من يجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار؟ لابد لكم منه، يعني: إنكم تطلبون لنا الهلاك الذي هو استعجال للفوز والسعادة، وأنتم في أمر هو الهلاك الذي لا هلاك بعده، وأنتم غافلون لا تطلبون الخلاص منه.
أو أن أهلكنا الله بالموت فمن يجيركم بعد موت هداتكم والآخذين بحجزكم من النار؟ وإن رحمنا بالإمهال والغلبة عليكم وقتلكم فمن يجيركم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والإدالة للإسلام)، الجوهري: "الإدالة: الغلبة، اللهم أدلني على فلان وانصرني عليه". واعلم أن قوله تعالى: ﴿فَمَن يُجِيرُ﴾، جزاء للشرط على سبيل الاستخبار مع الإنكار، وذكر فيه وجوهًا ثلاثة، جعل في الوجهين الأخيرين لكان من الإهلاك والإجارة جزاء وشرطًا على حياله، وفي الأول جعل الجزاء مشتركًا، لأنه أخذ الزبدة من المعطوف والمعطوف عليه في الجزاء، وجعلهما كالشيء الواحد، وهو تربص إحدى الحسنيين مفسر بهما أو بالموت، ولذلك أتى في الجواب بقوله: "فأنتم ما تصنعون؟ ". وأما قوله: "فمن يجيركم"، فجملة مستأنفة مبينة للجواب.
وحاصل الوجوه الثلاثة راجع إلى أن هناك والرحمة في الآية إما مؤولان بالشهادة والنصرة، لأن الحسنيين في قوله تعالى: ﴿إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: ٥٢] مفسر بهما، أو بالموت وما يقابله من الإمهال، أو بالعذاب وما يقابله من الرحمة.
قوله: (أو إن أهلكنا)، عطف على قوله: "إما أن نهلك".
قوله: (بعد موت هداتكم والآخذين بحجزكم)، الهداة: جمع الهادي، والمراد به النبي ﷺ وأصحابه، وهو مقتبس مما روينا عن البخاري رحمه الله، ومسلم والترمذي، عن أبي هريرة