لأن الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق، والثاني: أن يكون نهي تنزيه لا تحريم له ولأمته. وقرأ الحسن: «تستكثر» بالسكون، وفيه ثلاثة أوجه، الإبدال من تمنن، كأنه قيل: ولا تمنن لا تستكثر؛ على أنه من المن في قوله عز وجل: (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا ولا أَذًى) [البقرة: ٢٦٢]؛ لأن من شأن المنان بما يعطي أن يستكثره، أي: يراه كثيرا ويعتد به، وأن يشبه «ثرو» بـ «عضد»،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هديته". فـ "مِن" في "من هِبته"، كـ "من" في "ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجِدُّ"، أي: بذلك.
قوله: (وقرأ الحسن: "تَسْتكثِرْ")، قال ابن جني: "يحتمل أن يكون بدلاً، كأنه قال: لا تسكثر. فإن قيل: عبرة البدل أن يصلح إقامة الثاني مقام الأول، نحو: ضربت أخاك زيداً، أي: ضربت زيداً. ولو قلت: لا تستكثر، لم يدل إلا على النهي عن الاستكثار مُرسلاً. وإنما المعنى: ولا تمنن منَّ مُستكثر، أي: امنن من من لا يريد عوضاً، ولا يطلب الكثير عن القليل. فيقال: قد يكون البدل على حذف الأول، وقد يكون على نية إثباته، كقولك: زيد مررت به أبي محمد، فتبدل أبا محمد من الهاء. ولو قلت: زيد مررت بأبي محمد، كان قبيحاً. فقوله: ﴿وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾، من هذا القبيل. ووجه آخر، وهو أن المراد: تَسْتَكْثِرُ، فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات، كما حكى أبو زيد: ﴿بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: ٨٠]، بإسكان اللام".
قوله: (وأن يُشبه "ثرو" بـ "عَضُد")، أي: الخروج من كسر الثاء إلى ضمة الراء وإلى فتحة الواو في ﴿وَلِرَبِّكَ﴾ ثقيل؛ فخفف الراء. كما أنّ "عَضُد" ثقيل، فخفف الضاد.