فقالوا في كل ذلك: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر؛ أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحاً،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (اللهم لا)، قال المطرزي: "اللهم: كلمة تستعمل في الدعاء، بمعنى: يا الله، والميم فيها عوض من حرف النداء، ولذلك لا يُجمع بينهما. وقد يجيء في جواب الاستفهام قبل "لا" و "نعم" كثيراً، من ذلك ما قرأت في حديث عمير بن سعد، وقد أتاه رسول عمر رضي الله عنه، وقال له: كيف تركت أمير المؤمنين. فقال: صالحاً، وهو يقرئك السلام. فقال له: ويحك لعله استأثر نفسه، قال: اللهم لا. فقال: لعله فعل كذا، قال: اللهم لا" في حديث طويل.
وكان المتكلم قصد إثبات الجواب مشفوعاً بذكر الله، ليكون أبلغ وأوقع، وفي نفس السامع أنجع، وليعلم أنه على يقين من إيراده وبصيرة في إثباته، قد جعل نفسه في معرض من أقبل على الله تعالى ليجيب فيما سأله مثلاً. ولا شك أن من كانت هذه حاله لا يتكلم إلا بما هو صدق ويقين وحق مبين. وقد يؤتى بها قبل "إلا"، إذا كان المستثنى عزيزاً نادراً، وكان قصدهم بذلك الاستظهار بمشئية الله في إثبات كونه ووجوده، إيذاناً بأنه بلغ في النُّدرة حد الشذوذ، وهذا كثير في كلام الفصحاء".
قوله: (يأثره)، هو من قولك: "أثرت الحديث آثره، إذا ذكرته من غيرك" ذكره الجوهري.
قوله: (فارتج)، أي: اضطرب. المغرب: "ارتج الظلام إذا تراكب والتبس وقيل: ارتج: وقع في رجة، وهي الاختلاط". الجوهري: "ارتج البحر: اضطرب".


الصفحة التالية
Icon