وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه (ثُمَّ نَظَرَ) في وجوه الناس، ثم قطب وجهه، ثم زحف مدبراً، وتشاوس مستكبراً، لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء، وهم بأن يرمي بها، وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط، استهزاءً به. وقيل: قدر ما يقوله، ثم نظر فيه، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول. وقيل: قطب في وجه رسول الله ﷺ (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق (واسْتَكْبَرَ) عنه فقال ما قال. و (ثُمَّ نَظَرَ) عطف على (فَكَّرَ وقَدَّرَ) والدعاء اعتراض بينهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتشاوس)، الجوهري: "الشَّوس، بالتحريك: النظر بمؤخر العين تكبراً أو تغيظاً".
قوله: (وصف أشكاله)، أي: وصف الله تعالى أشكال الوليد وهيأته، وهي: ﴿ثُمَّ نَظَرَ (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ﴾.
قوله: (والدعاء: اعتراض)، أي: قوله: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾. وليس هذا الاعتراض من قبيل الاعتراض المتعارف، الذي يتخلل تزيين الكلام.
وتقريره: لأن الفاء مانعة من ذلك، بل هو من كلام الغير، ووقع الفاء في تضاعيف كلامه، فأدخل بين الكلامين المتصلين على سبيل الحكاية، وهو مُتعسف، وإنما سلكه لأنه جعل الدعاءين من كلام الغير. وأما إذا جُعلا من كلام الله تعالى استهزاءً كما ذكره، أو دعاء عليه كما ذهب إليه الراغب، وعليه تفسير الواحدي على ما قال ونقل عن صاحب النظم: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾: "أي: عذب ولعن كيف قدر، كما يقال: لأضربنه كيف صنع، أي: على أي حال كانت منه"، لتكون الأفعال كلها متناسقة مرتبة، على التفاوت في التعقيب والتراخي زماناً ورتبة كما يقتضيه المقام كان أحسن.


الصفحة التالية
Icon