وعن ابن عباس: ركز الناس وأصواتهم، وعن عكرمة: ظلمة الليل، شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه، بحمر جدت في نفارها مما أفزعها. وفي تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين، كما في قوله: (كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة: ٥]، وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل. ولا ترى مثل نفار حمير الوحش واطرادها في العدو إذا رابها رائب؛ ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل وشدة سيرها بالحمر، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص.
(صُحُفًا مُّنَشَّرَوؤةً) قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها، أو كتبا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشرة على أيديها غضة رطبة لم تطو بعد؛ وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها: من رب العالمين إلى فلان بن فلان، نؤمر فيها بإتباعك، ونحوه قوله: (ولَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ) [الإسراء: ٩٣]، وقال: (ولَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) الآية [الأنعام: ٧]. وقيل: قالوا إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. وقيل: كانوا يقولون: بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوباً على رأسه ذنبه وكفارته، فأتنا بمثل ذلك؛ وهذا من الصحف المنشرة بمعزل؛ إلا أن براد بالصحف المنشرة الكتابات الظاهرة المكشوفة. وقرأ سعيد بن جبير: «صحفاً منشرة» بتخفيفهما، على أن «أنشر» الصحف و «نشرها» واحد، كأنزله ونزله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا أنهما مُلحقان بـ "فعللة"، فلهذا قال: وفي وزنه.
قوله: (وهذا من الصُّحف المُنشرة بمعزل)، أي هذا التأويل الأخير.


الصفحة التالية
Icon