ويجوز أن يراد: ناقلين له من حال إلى حال، فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. وعن ابن عباس: نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة. وقيل: هو في تقدير التأخير، يعني: فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه، وهو من التعسف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحال، أي: خلقنا الإنسان مبتلين له، بمعنى: مُريدين اختباره، فجعلناه سميعاً بصيراً، ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات، فهو كالمسبب من إرادة الابتلاء. ولذلك، عُطف بالفاء على الفعل المقيد به، ورُتِّب عليه قوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾، بنصب الدلائل وإنزال الآيات".
وثانيها: أن يكون الابتلاء استعارة للانتقال، استعارة الجحفلة وهي للفرس لشفة الإنسان، على ما سبق في قوله تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥]؛ استعار الابتلاء للنقل لاستلزام كل منهما ظهور حال غِبَّ حال، ثم سرى منه إلى الفعل على التبعية، فحينئذ يحسن ترتيب ما بعد الفاء على ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾. المعنى: خلقنا الإنسان من نُطفة أمشاج ناقلين له من النُّطفة إلى العلقة ثم إلى المضغة، وهلم جرا، إلى أن جعلناه سميعاً بصيراً.
وثالثها: أن يكون الكلام على التقديم والتأخير، أي: خلقناه من نطفة أمشاج، فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه.
قوله: (هو في تقدير التأخير)، روى الواحدي عن الفراء أنه قال: "المعنى: جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه. ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء، وهو السمع والبصر". وعلى هذا