لم يكن تنزيله على أي وجهٍ نزل إلا حكمةً وصواباً، كأنه قيل: ما نزّل عليك القرآن تنزيلاً مفرقاً منجماً إلا أنا لا غيري، وقد عرفتني حكيماً فاعلاً لكل ما أفعله بدواعي الحكمة؛ ولقد دعتني حكمةٌ بالغةٌ إلى أن أنزل عليك الأمر بالمكافة والمصابرة، وسأنزل عليك الأمر بالقتال والانتقام بعد حين (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) الصادر عن الحكمة وتعليقه الأمور بالمصالح، وتأخيره نصرتك على أعدائك من أهل مكة؛ ولا تطع منهم أحداً قلة صبرٍ منك على أذاهم وضجراً من تأخر الظفر، وكانوا مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه يدعونه إلى أن يرجع عن أمره، ويبذلون له أموالهم وتزويج أكرم بناتهم إن أجابهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما نزل عليك القرآن تنزيلاً مُفرقاً مُنجماً إلا أنا لا غيري)، هو نحو قولك: ما يقوم إلا زيد لا عمرو، وقد منعه صاحب "المفتاح".
قوله: (وقد عرفتني حكيماً)، حال من فاعل "نَزَّلَ"، وإنما اعتبر في الآية معنى الحكمة، ليترتب عليه قوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾.
قوله: (بالمُكافة)، أي: كف الحرب من الطرفين. الأساس: "صافوهم ولافوهم ثم كافوهم، أي: حاجروهم، وتكافوا: تحاجروا".
قوله: (﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ الصادر عن الحكمة)، أي: نحن نزلنا الأمر بالمكافة والمصابرة، فلا تطلب وجه حكمة في ترك القتال.
قوله: (ويبذلون له أموالهم)، روى محيي السنة عن مُقاتل: أراد بـ "الآثم" عُتبة بن ربيعة، وبـ "الكفور" الوليد بن المغيرة، قالا للنبي؟ : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال،


الصفحة التالية
Icon