كما تعصف الرياح، تخففاً في امتثال أمره، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، أو نشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين، ففرّقن بين الحق والباطل، فألقين ذكراً إلى الأنبياء (عُذْرا) للمحقين (أَوْ نُذْرا) للمبطلين.
أو أقسم برياح عذابٍ أرسلهن فعصفن، وبرياح رحمةٍ نشرن السحاب في الجوّ ففرّقن بينه، كقوله: (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) [الروم: ٤٨]،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: الذي صبح فغنم فآب، والفاء تدل على ترتيب معانيها في الوجود.
قوله: (بما أوحين)، تنازع فيه الفعلان، وكان الترتيب: فألقين ذكراً إلى الأنبياء، ففرقن بين الحق والباطل، لكنه على منوال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل: ٩٨]، أي: أردن أن يفرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكراً. وفي قوله: بطوائف منهم، إشارة إلى أن هذه الطوائف، غير تلك الطوائف، والواو عطفت هذه الطوائف على تلك، قال أبو البقاء: "الواو الأولى للقسم وما بعدها للعطف، ولذلك جاءت الفاء".
وقال القاضي: "أو أقسم بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها، فعصفن ما سوى الحق، ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء، ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه، فرأوا كل شيء هالكاً إلا وجهه، وألقين ذكراً بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله".
قوله: (ففرَّقن بينه)، الضمير عائد إلى السحاب، أي: الرياح الفارقات نشرن السحاب الواحد في الجو، فجعلته قزعة قزعة، وإليه أشار بقوله: ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ [الروم: ٤٨].