ومعناه: أنه أهلك الأولين من قوم نوحٍ وعادٍ وثمود، ثم أتبعهم الآخرين من قوم شعيبٍ ولوطٍ وموسى (كَذلِكَ) مثل ذلك الفعل الشنيع (نَفْعَلُ) بكل من أجرم إنذاراً وتحذيراً من عاقبة الجرم وسوء أثره.
[(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ * إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ٢٠ - ٢٤]
(إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) إلى مقدارٍ من الوقت معلومٍ قد علمه الله وحكم به، وهو تسعة الأشهر، أو ما دونها، أو ما فوقها (فَقَدَرْنا) فقدّرنا ذلك تقديراً (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) فنعم المقدّرون له نحن، أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن؛ والأوّل أولى لقراءة من قرأ "فقدّرنا" بالتشديد، ولقوله (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس: ١٩].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والأول أولى)، أي: تفسير "قدَرنا" بـ "قدَّرنا" بمعنى التقدير، أولى من تفسيره بقدَرنا من القدرة، بدليل قراءة من قرأ بالتشديد، وبمجيئه في آية أخرى: ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ [عبس: ١٩].
وقلت: يمكن أن يقال: إن معنى القدرة لازم لمعنى التقدير، وإبرازه في معرض المدح ظاهر، أو لم يضطر إلى تأويل ﴿قَادِرُونَ﴾ بـ "المقدرون"، ولأن إثبات القدرة أولى، لأن الكلام مع المنكرين بخلاف ذلك. قال أبو البقاء: "قدرنا، بالتخفيف، أجود؛ لقوله: ﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾، ولم يقل: المقدرون. ومن شدد نبه على التكثير واستغنى عن التكثير بتشديد الاسم، والمخصوص بالمدح محذوف، أي: فنعم القادرون نحن".
قوله: (من قرأ: "فقدرنا" بالتشديد). نافع والكسائي، والباقون: بالتخفيف.