ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة، جاء في صدر بيته بقوله (حمراء) توطئةً لها ومناداةً عليها، وتنبيهاً للسامعين على مكانها، ولقد عمى، جمع الله له عمى الدارين، عن قوله عز وعلا: (كأنه جمالات صفر)؛ فإنه بمنزلة قوله: كبيتٍ أحمر؛ وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيهاً من جهتين: من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس، تشبيهٌ من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة، فأبعد الله إغرابه في طرافه، وما نفخ شدقيه من استطرافه.
قرئ بنصب "اليوم"، ونصبه الأعمش، أي: هذا الذي قص عليكم واقع يومئذٍ؛ ويوم القيامة طويلٌ ذو مواطن ومواقيت: ينطقون في وقتٍ ولا ينطقون في وقت؛ ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطقٍ؛ لأنه لا ينفع ولا يسمع. (فَيَعْتَذِرُونَ) عطفٌ على (يُؤْذَنُ) منخرطٌ في سلك النفي، والمعنى: ولا يكون لهم إذنٌ واعتذارٌ متعقبٌ له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن؛ ولو نصب لكان مسبباً عنه لا محالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وزاد على ما في التنزيل وليس بذلك، لأنه لا يخفى على مثل المعري أن الكلام بآخره، لأن الله تعالى شبه الشرارة أولاً حين تنقض من النار بالقصر في العظم، وثانياً حين تأخذ بالارتفاع والانبساط فتنشق عن أعداد لا نهاية لها، بالجمالات في التفرق واللون والعظم والثقل، ونظر في ذلك إلى الحيوان وأن تلك الحركات اختيارية، وكل ذلك مفقود في نيته، قال الإمام: "كان الأولى لصاحب "الكشاف" أن لا يذكر أنه ذكره معارضة للقرآن".
قوله: (﴿فَيَعْتَذِرُونَ﴾ عطف على ﴿يُؤْذَنُ﴾ منخرط في سلك النفي)، قال في قوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غافر: ٥٢]: "يحتمل أنهم يعتذرون بمعذرة ولكنها لا تنفع لأنها باطلة، وأنهم لو جاؤوا بمعذرة لم تكن مقبولة، لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ ".


الصفحة التالية
Icon