[(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ٣٨ - ٤٥]
(جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) كلامٌ موضحٌ لقوله: (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ)، لأنه إذا كان يوم الفصل بين السعداء والأشقياء وبين الأنبياء وأممهم، فلا بدّ من جمع الأولين والآخرين، حتى يقع ذلك الفصل بينهم (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) تقريعٌ لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيلٌ عليهم بالعجز والاستكانة (كُلُوا وَاشْرَبُوا) في موضع الحال من ضمير "المتقين"، في الظرف الذي هو في ظلال، أي: هم مستقرّون في ظلالٍ، مقولاً لهم ذلك.
[(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) ٤٦ - ٥٠]
(وكُلُوا وَتَمَتَّعُوا) حال من المكذبين؛ أي: الويل ثابتٌ لهم في حال ما يقال لهم: كلوا وتمتعوا.
فإن قلت: كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال صاحب "الكشف": "التقدير: هذا يوم لا ينطقون بنطق ينفعهم، ولا يعتذرون بعذر ينفعهم، فـ "يعتذرون" داخل في النفي، ولو حملته على الظاهر ناقض، لأنه يصير: هذا يوم لا ينطقون فيعتذرون، لأن الاعتذار نطق أيضاً".
وقال أبو البقاء: "ويجوز أن يكون مستأنفاً، أي: فهم يعتذرون، أي: أنهم لا ينطقون في بعض المواقف، وينطقون في بعضها، وليس بجواب النفي، إذ لو كان جواباً لحذل النون".
قوله: (كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ )، لأن قوله: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا﴾، مما يقال في حق الكفار في الدنيا لا في الآخرة، لأنهم متمتعون فيها أياماً قلائل.


الصفحة التالية
Icon