والاستعمال الكثير على الحذف، والأصل: قليل. ومعنى هذا الاستفهام: تفخيم الشأن، كأنه قال: عن أي شأنٍ يتساءلون؟ ونحوه ما في قولك: زيدٌ ما زيد؟ جعلته - لانقطاع قرينه وعدم نظيره - كأنه شيءٌ خفي عليك جنسه، فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره، كما تقول: ما الغول وما العنقاء؟ تريد: أي شيء هو من الأشياء هذا أصله؟ ثم جرد للعبارة عن التفخيم، حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية (يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضاً. أو يتساءلون غيرهم من رسول الله ﷺ والمؤمنين نحو: يتداعونهم ويتراءونهم. والضمير لأهل مكة: كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث، ويتساءلون غيرهم عنه على طريق الاستهزاء. (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بيانٌ للشأن المفخم. وعن ابن كثيرٍ قرأ (عمه) بهاء السكت، ولا يخلو: إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف، وإما أن يقف ويبتدئ (يَتَساءَلُونَ) على أن يضمر (يَتَساءَلُونَ) لأنّ ما بعده يفسره، كشيء يبهم ثم يفسر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ("ما" في قولك: زيد ما زيد؟ جعلته، لانقطاع قرينه وعدم نظيره، كأنه شيء خفي عليك جنسه، فأنت تسأل عن جنسه)، ومنه حديث عائشة، رواه البخاري في "صحيحه": قالت الحادية عشرة: "زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حُلي أُذني، وملأ من شحم عضدي. أُمُّ أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمها، وملاء كسائها، وغيظ جارتها". النوس: تحرك الشيء متدلياً، أي: أناس أُذُني مما حلاهما من الشُّنوف والقرطة، والعكوم: جمع عِكم، وهو العدل إذا كان فيه متاع، والرَّداح: العظيمة الثقيلة، والمسل: مصدر بمعنى الشَّل، والشَّطبة: السيف، أي: كما سُل السيف من غمده، والجفرة: الأنثى من ولد المعز.
قوله: (﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾: بيان للشأن المفخم)، يريد أن قوله: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ ليس


الصفحة التالية
Icon