فإن قلت: قد زعمت أنّ الضمير في يتساءلون للكفار. فما تصنع بقوله (هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)؟
قلت: كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث، ومنهم من يشك. وقيل: الضمير للمسلمين والكافرين جميعاً، وكانوا جميعاً يسألون عنه. أما المسلم فليزداد خشيةً واستعداداً، وأما الكافر فليزداد استهزاء. وقيل: المتساءل عنه القرآن. وقيل: نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقرئ: (يسّاءلون بالإدغام)، وستعلمون بالتاء.
[(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) ٤ - ٥]
(كَلَّا) ردع للمتسائلين هزءوا. و (سَيَعْلَمُونَ) وعيدٌ لهم بأنهم سوف يعلمون أنّ ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق؛ لأنه واقعٌ لا ريب فيه. وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك، ومعنى (ثُمَّ) الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشد.
[(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً * وَالْجِبالَ أَوْتاداً * وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً * وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً * وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً * وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً * وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) ٦ - ١٦]
فإن قلت: كيف اتصل به قوله: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصلة ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾؛ لأنه أخذ صلته وهي ﴿عَمَّ﴾، بل هو صلة محذوف، على طريقة الاستئناف، للبيان، فإنه لما قيل: عن أي شيء عظيم يتساءلون وما ذلك الشيء العظيم الذي يتساءلون عنه؟ فقيل: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾، الذي هو البعث، وإذا وقف على "عمه" يكون صلة للمذكور، ويقدر مثله: لعمه، قال صاحب "الكشف": ﴿عَنِ النَّبَإِ﴾ لا يجوز أن يكون بدلاً من قوله: عمه بتة، لأنه لو كان بدلاً لوجب تكرار حرف الاستفهام؛ لأنه الجار المتصل بحرف الاستفهام إذا أُعيد أُعيد مع الحرف المستفهم به، كقولك: بكم ثوبك؟ أبعشرين أم بثلاثين؟ ولا يجوز: بعشرين، بغير همزة، فيكون متعلقاً بفعل آخر دون هذا الظاهر. وقال أبو البقاء: "يجوز


الصفحة التالية
Icon