أي: كذبوا بآياتنا كاذبين؛ وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب، يقال: رجل كذاب، كقولك: حسان، وبخال؛ فيجعل صفة لمصدر كذبوا، أي: تكذيباً كذاباً مفرطاً كذبه، وقرأ أبو السمال: وكل شيء أحصيناه، بالرفع على الابتداء. (كِتَابًا) مصدر في موضع إحصاء، وأحصينا في معنى كتبنا، لالتقاء الإحصاء، والكتبة في معنى الضبط والتحصيل. أو يكون حالاً في معني: مكتوباً في اللوح وفي صحف الحفظة. والمعنى: إحصاء معاصيهم، كقوله: (أَحْصَاهُ الله ونَسُوهُ) [المجادلة: ٦] وهو اعتراض. وقوله: (فَذُوقُوا) مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات، وهي آية في غاية الشدة، وناهيك بـ «لن نزيدكم»، وبدلالته على أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة. وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهداً على أن الغضب قد تبالغ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بضم الكاف وتشديد الذال؛ جمع كاذب، منصوب على الحال، أي: كذبوا بآياتنا في حال كذبهم، وقال طرفة:
إذا جاء ما لا بد منه، فمرحباً به حين يأتي لا كذاب ولا علل
وقد يجوز أن يكون وصفاً للمصدر، أي: كذبوا بآياتنا كذاباً كُذابا، أي: كِذاباً مُتناهياً في معناه، فكذاباً حينئذ واحد لا جمع كرجل حُسان ووضاء. ويجوز أن يكون جمع كذب؛ لأنه جعله نوعاً ووصفه بالكذب، أي: كذباً كاذباً، فصار كِذاباً كُذاباً، فافهم ذلك".
قوله: (وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهداً على أن الغضب قد تبالغ)، وذلك أنه تعالى لما حكى مآب الطاغين واستمرار لبثهم في جهنم، وأن لا ذوق لهم فيها سوى الحميم والغساق، وعلل ذلك على سبيل الشِّكاية إلى الغير بقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا﴾،


الصفحة التالية
Icon