أي: جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمس مئة عام (فَسَوَّاهَا) فعدلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوت ولا فطور. أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها، من قولك: سوى فلان أمر فلان. غطش الليل وأغطشه الله، كقولك: ظلم وأظلمه. ويقال أيضاً: أغطش الليل، كما يقال أظلم (وأَخْرَجَ ضُحَاهَا) وأبرز ضوء شمسها، يدل عليه قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا) [الشمس: ١] يريد وضوئها. وقولهم: وقت الضحى، للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها؛ وأضيف الليل والشمس إلى السماء،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفراء: تم الكلام عند قوله: ﴿ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾، وابتدأ من قوله: ﴿بَنَاهَا﴾، الكواشي: ﴿أَمِ السَّمَاءُ﴾ مبتدأ محذوف الخبر، أي: أم السماء أشد؟ وعنده وقف تام إن استأنفت ولم تنصب ﴿بَنَاهَا﴾ تكون "أم" متصلة، وإذا وصل تكون منقطعة، ويكون في الكلام ترق من الأهون إلى الأغلظ.
قوله: (أو فتممها بما علم أنها تتم به)، فعلى الأول: التسوية عبارة عن تعديل ذوات السماوات، وعلى الثاني: عبارة عن إصلاحها بزوائد خارجية، من كونها جعلت مقراً للملائكة المقربين المسبحين، ومسارح نظر المعتبرين، وجعلت مزينة بزينة الكواكب ومنزلاً منها البركات في الأرض وأحكام الدين، لقوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢].
قوله: (وأضيف الليل والضحى - ويروى: الليل والشمس - إلى السماء)، يريد أن السماء جعلت كالقبة المضروبة والرواق الممدود، وكالبيت المظلم ليس فيه سراج، والشمس هي السراج المثقب في جوها، فإن قيل: إن الليل ظل الأرض، فيجاب: كم لمرأى الناظر من اعتبار؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: ٥] أي: مُزينة في مرأى النظر بالكواكب المضيئة، وبه فسر قول المعري:
صغار الشهب أسرعها انتقالا