ومعناه: عبس؛ لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك. وقرئ: (أأن جاءه) بهمزتين وبألف بينهما، ووقف على (عَبَسَ وتَولَّى) ثم ابتدئ، على معنى: الآن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكارا عليه؟ وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني. وفي الإخبار عما فرط منه، ثم الإقبال عليه بالخطاب: دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانباً جني عليه، تم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً له بالتوبيخ وإلزام الحجة. وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقُرئ: "أأن جاءه"، بهمزتين وألف بينهما)، قال ابن جنى: "قرأها الحسن: وأن، معلقة بمحذوف دل عليه ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾، أي أأن جاءه الأعمى أعرض عنه وتولى بوجهه؟ قالوقف إذن على تولى والاستئناف بالاستفهام للإنكار. وأما ﴿أَن﴾ على القراءة العامة فمنصوبة بتولى؛ لأنه الأقرب، ومن أعمل الأول نصبها بعبس وقال: عَبَسَ أن جاءه الأعمى وتولى لذلك، والوجه: إعمال الثاني لقربه. وأما أن تنصبه بمجموع الفعلين فلا".
وقلت: المصنف ذه إلى إعمال الأول بناء على مذهب الكوفيين، حيث قال: عبس لأن جاءه الأعمى وأعرض لذلك؛ لأن لطف المعنى معه، فإن الواو إن لم تدل على الترتيب لكن النظم يقتضيه، فلا يناسب أن يقال: تولى لأن جاءه الأعمى وعبس لذلك؛ لأن التولي بعد العبوس كما يشهد له الحال.
قوله: (وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك)، يعني: العدول من اسم العلم إلى الوصف مزيد للإنكار وإلزام الحجة، مثل ما في العدول من الغيبة إلى الخطاب، وبيانه: قوله: كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس، إلى آخره، أي: أهذا حق الأعمى أهذا حق الضعيف؟ [إلى] آخره؟ وتحريره: أن في إسناد عبس وتولى إلى ضمير الرسول؟ في حال الغيبة، إشعاراً بأن ذلك مما لا يليق بمنزلة من في صدد الرسالة، لا سيما أنه ما أُرسل إلا رحمة


الصفحة التالية
Icon