كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفاً وترؤفاً وتقريباً وترحيباً، ولقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسناً، فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء. (ومَا يُدْرِيكَ) وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى؟ (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أي يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم. (أَوْ يَذَّكَّرُ) أو يتعظ، (فَتَنفَعَهُ) ذكراك، أي: موعظتك؛ وتكون له لطفاً في بعض الطاعات. والمعنى: أنك لا تدري ما هو مترقب منه، من تزك أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك. وقيل: الضمير في (لَعَلَّهُ) للكافر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للعالمين، وأنه لعلى خلق عظيم؛ فكأن العابس والمتولي غيره، ثم التفت يخاطبه قائلاً: وما يُدريك؟ تأنيباً، أي: مثلك بتلك المنزلة لا ينبغي أن يتصدى لغني ويتلهى عن فقير. وكذلك في صفة الأعمى؛ من حيث اعتبار الجبلة النفسانية منقصة توجب الإعراض والتولي عمن هو متصف بها، ومن حيث مرتبتك من الخلق العظيم، قمع النفس، والعمل بمقتضى الخُلُق العظيم لا بمقتضى شهوة النفس، أو في تلك الصفة إشعار باستعمال التعطف والترؤف، والتقريب والترحيب، لا سيما من مثلك، وقد وصفك الله بالخلق العظيم، أو في تلك الصفة من تمهيد العُذر، وأنه أعمى لم يهتد إلى عدم الإقدام بين يديك، وقطع كلامك عن كلام القوم، اعتذار عند الكرام، خصوصاً عند مثلك وكنت للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وهذه الآيات أيضاً من خُلُقه صلوات الله عليه؛ لأنها تأديب له، وكان خُلُقه القرآن، ثم في معنى الترجي الذي يعطيه ﴿لَعَلَّهُ﴾ تمهيد عُذر له صلوات الله عليه، جبراً لذلك الخطاب المشتمل على التوبيخ، يعني: أعذرناك لأنك حريص على إسلام القوم، فأدى اجتهادك إلى أن تُقبل عليهم وتُعرض عن الأعمى، ولو دريت ذلك ما فرطت ذلك، أي: وإن كان خفياً عليك يا رسول الله، كأن الله تعالى يعتذر من رسوله؟. لله در المصنف ودركه أمثال هذه الرموز الجليلة!
قوله: (الضمير في ﴿لَعَلَّهُ﴾ للكافر)، فعلى هذا ﴿لَعَلَّ﴾ راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،