(واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) وتغطوا بها، كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم، أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله. وقيل: لئلا يعرفهم؛ ويعضده قوله تعالى: (أَلا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ) [هود: ٥].
الإصرار: من: أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها؛ استعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها (واسْتَكْبَرُوا) وأخذتهم العزة من إتباع نوح وطاعته، وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استقبالهم وعتوهم.
فإن قلت: ذكر أنه دعاهم ليلا ونهارا، ثم دعاهم جهارا، ثم دعاهم في السر والعلن؛ فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف.
قلت: قد فعل عليه الصلاة والسلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان. ومعنى () الدلالة على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار؛ والجمع بين الأمرين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن تغشاهم ثيابهم، أو تُغشيهم)، أي: استغشوا، إما من الغشاء أو التغشية.
قوله: (أَصَرّ الحمار على العانة)، الجوهرى: "صر الفرس أذنيه: ضمهما إلى رأسه". العانة: وهي القطيع من حُمُرِ الوَحش، والكَدْم: العض.
قوله: (استعير للإقبال على المعاصي)، قال رحمه الله: لو لم يكن في ارتكاب المعاصي إلا التشبيه بالحمار، لكفى به مزجرة، فكيف والتشبيه في أسوأ حال وأفحشها، وهو حالة الكَدْم، والطّرد للسِّفاد؟ ".


الصفحة التالية
Icon