أغلظ من إفراد أحدهما. و (جِهَارًا) منصوب بدعوتهم نصب المصدر، لأن الدعاء أحد نوعيه الجهار، فنصب به نصب القرفصاء بقعد، لكونها أحد أنواع القعود، أو لأنه أراد ب- (دَعَوْتُهُمْ): جاهرتهم.
ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا، بمعنى دعاء جهاراً، أي: مجاهراً به، أو مصدراً في موضع الحال، أي: مجاهراً؛ أمرهم بالاستغفار الذي هو التوبة عن الكفر والمعاصي، وقدم إليهم الموعد بما هو أوقع في نفوسهم وأحب إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة، ترغيباً في الإيمان وبركاته والطاعة ونتائجها من خير الدارين، كما قال: (وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله) [الصف: ١٣]، (ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ) [الأعراف: ٩٦]، (ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ) [المائدة: ٦٦]، (وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم) [الجن: ١٦]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقَدّم إليهم الموعد)، أي: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ الآية. نحوه قوله تعالى: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ﴾ [ق: ٢٨]، أي: أوعدتكم بعذاب على ألسنة رُسلي.
قوله: (كما قال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ [الصف: ١٣]، استشهاد لقوله: "بما هو أوقع لنفوسهم وأحب إليهم من المنافع الحاضرة"، أي: ولكم إلى هذه النعمة المذكورة، نعمة أخرى محبوبة إليكم، وهي ﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣]، أي فتح مكة. وفي ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ شيء من التوبيخ على محبة العاجلة.
وقال القاضي: "كأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا: إن كنا على حق فلا نتركه، وإن كنا على باطل، فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه؟ فأمرهم بما يَجُب معاصيهم، ويجلب إليهم المِنَح، ولذلك وعدهم عليه بما هو أوقع في قلوبهم".


الصفحة التالية
Icon