فإن قلت: ما معنى تنفس الصبح؟
قلت: إذا أقبل الصبح: أقبل بإقباله روحٌ ونسيم، فجعل ذلك نفساً له على المجاز وقيل: تنفس الصبح.
[(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ١٩ - ٢١].
(إِنَّهُ) الضمير للقرآن، (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) هو جبريل صلوات الله عليه، (ذِي قُوَّةٍ) كقوله تعالى: (شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ) [النجم: ٥ ـ ٦]؛ لما كانت حال المكانة على حسب حال الممكن، قال: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) ليدل على عظم منزلته ومكانته (ثَمَّ) إشارةٌ إلى الظرف المذكور، أعنى: عند ذي العرش، على أنه عند الله مطاعٌ في ملائكته المقرّبين يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه. وقرئ: (ثم) تعظيماً للأمانة، وبياناً لأنها أفضل صفاته المعدودة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يشبه النهار الذي غشيه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي يخنس، وإذا تنفس يجد راحة، فالصبح لما تخلص من الظلام، كأنه تخلص من كربه، وهو استعارة لطيفة".
قوله: (لما كانت حال المكانة على حسب حال الممكن)، يعني: وصف جبريل بقوله: ﴿مَكِينٍ﴾، وخص من أوصاف الله ﴿ذِي الْعَرْشِ﴾، ليدل على عظم منزلة جبريل عند الله ومكانته؛ لأن حال الشخص يتفاوت بتفاوت حال من له عنده المنزلة، فمرتبة من يُلازم السلطان عند سرير الملك، مُباين لمرتبة من يلازمه عند الوضوء. قال القاضي: "معنى قوله: ﴿عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾: عند الله ذي مكانة".
قال الإمام: معنى: ﴿مَكِينٍ﴾: ذي الجاه الذي يُعطى ما سأل، يقال: مُكن فلان، بالضم، عند فلان، مكانة.
قوله: (بياناً لأنها أفضل صفاته)؛ لن ثم للتراخي في المرتبة هاهنا.