ويظن به قصاص الحشوية ويروون عن أئمتهم: إنما قال: (بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرّني كرم الكريم. وقرأ سعيد بن جبير: (ما أغرّك) إما على التعجب، وإما على الاستفهام؛ من قولك: غرّ الرجل فهو غارّ: إذا غفل، من قولك: بيتهم العدوّ وهم غارّون، وأغرّه غيره: جعله غاراً. (فَسَوَّاكَ) فجعلك سوياً سالم الأعضاء، (فَعَدَلَكَ) فصيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوتٍ فيه، فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، ولا بعض الشعر فاحماً وبعضه أشقر. أو جعلك معتدل الخلق تمشى قائما لا كالبهائم. وقرئ: (فعدلك) بالتخفيف، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون بمعنى المشدّد، أي: عدل بعض أعضائك ببعضٍ حتى اعتدلت. والثاني: (فَعَدَلَكَ) فصرفك؛ يقال: عدله عن الطريق يعنى: فعدلك عن خلقة غيرك وخلقك خلقةً حسنةً مفارقةً لسائر الخلق. أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ليس باعتذار مثل ظن الطماع ذلك الظن، كما في قولك: عبد الله أظنه منطلق، أي: أظن الظن، منطلق. ولا يجوز أن تكون موصولة، والعائد الضمير؛ لأنه يلزم اقتصار الظن على أحد مفعوليه، وهو غير جائز. وأما ما ذكر في مواضع من هذا الكتاب أن أحد مفعولي حسب محذوف، فهو فيما إذا كان الفاعل والمفعول شيئاً واحداً في المعنى، كقوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ﴾ [النور: ٥٧]، وقد صرح بهذا الشرط في كتابه، حيث قال: "الأصل: لا تحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول، وكان الذي سوغ ذلك، أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد، اقتنع بذكر الاتنين عن ذكر الثالث".
قوله: (وقُرئ: ﴿فَعَدَلَكَ﴾ بالتخفيف)، الكوفيون، والباقون: بالتشديد.